بشخصيته الساحرة .. نجح هذا الرجل في احياء العديد من الشخصيات السينمائية على الشاشة.. كانت لتموت لو قام بتمثيلها غيره".. اعتقد ما قيل في هذين السطرين هو افضل تعريف يمكن ان تقراءه عن (الفريدو جيمس باتشينو) الذي يعرف اختصاراً باسم (ال باتشينو) والذي يبلغ اليوم من العمر 68 عاماً ...ويعد (بلا اي اختلاف) من ابرز نجوم الجيل الثاني للسينما الامريكية .. في زمن ظهوره الاول على الشاشة... كان من الصعب ان يمنح جيل ابناء المهاجرين في الولايات المتحدة فرصة للتمثيل في هذه السينما .. لكن لهذا الرجل الفضل في تغيير الصورة "لقد ركلت الكرة، وقدمت لهم ما قدمته" كما يقول ال باتشينو معلقاً على دوره في تغيير الفكرة الامريكية عن ابناء المهاجرين في السينما .
خلال العقود الاربعة التي قضاها في السينما الامريكية.. قلب ال باتشينو معاني الكثير من الادوار... سواء من خلال دوره في فيلم حرارة (Heat) الذي لعب فيه دور المحقق الذي تسيطر عليه حياته الشخصية وتهيمن على عمله وتتسبب في انحرافه عن هدفه الحقيقي... مروراً بدوره في فيلم عطر امراة (Scent of a Woman) ومن ثم دوره الذي لا ينسى في العراب كـ (مايكل كارليوني) وفيه لعب دور (بطل حرب) في عالم المافيا يحاول ادخال ابنه الى هذه الحرب... او الدوامة التي لاتنتهي من الدماء ومن دوره في ذلك الفيلم نجح ال باتشينو في الحصول على لقب (اذكى ممثل في العالم) لبراعته في تجسيد الشخصية التي اذهلت المشاهدين كما اذهلت دون كارليوني نفسه.
تبدأ قصة هذا الرجل المعجزة في الخامس والعشرين من ابريل من عام 1940 في هارلم الشرقية بمنهاتن، حينما انجبت روز وسلفاتور الفريد باتشينو المهاجرين الايطاليين ابناً .. ولسوء الحظ لم يستمر زواج الاثنين طويلاً ... فحينما بلغ ال باتشينو الابن الثانية من عمره تطلقا والداه وانتقلت والدته للعيش في برونكس الجنوبية مع والديه كيث وجيمس جيراردي اللذان قدما من كارليوني بصقلية.. اما الوالد فاختار العيش في كاليفورنيا.
انغمس الوالد في كاليفورنيا في عمله باعتباره بائع بوليصات تأمين ويملك مطعماً خاصا به يدعى (الباتشينو لونج) والذي اغلق عام 1992 بينما كان الصبي يواصل دراسته بنجاح... حتى التحق بمدرسة لو غارديا الثانوية لتعليم الفنون.
الحياة ليست سيئة دوماً.. فبالرغم من قصة الطلاق هذه.. الا ان ال باتشينو نجح في دراسته خصوصا حينما التقى مدرب الممثلين الاسطوري (لي ستراسبرغ) والذي كان له اثر كبير في حياته... وقد قدم الرجلان فيما بعد معاً فيلم العراب بجزءه الثاني منتصف السبعينات.
بفضل ستراسبرغ اقترب ال باتشينو من التمثيل اكثر حيث وجد في هذه المهنة ممتعة ومسلية قبل ان تكون بالنسبة له وسيلة للعيش.. فيما وجد ستراسبرغ في ال باتشينو الموهبة التي لطالما بحث عنها... كان ذلك في عام 1966 وهذا اللقاء لم يسفر عن اي مداخيل مالية وقتها .. ولكن موهبة الباتشينو بدأت تثبت وجودها مادياً ومعنوياً مع انتهاء ذلك العقد .. عقد الستينات.
المفارقة ان ال باتشينو نال الجوائز منذ الادوار الاولى التي قدمها في السينما، فقد نال جائزة (اوبي) عن دوره في مسرحية (The Indian Wants The Bronx) او (الهنود يريدون برونكس) وجائزة توني عن دوره في فيلم (Does The Tiger Wear a Necktie) او (هل يرتدي النمر ربطة العنق؟) اما اول دور تلفزيوني له فكان في (ان واي بي دي بلو) في عام 1968 وهو دور دعم ظهوره بعد ذلك بفيلم حقق نجاحاً واسعا بعنوان (انا ونتالي) رغم ان دوره كان مسانداً لا اكثر.
فيلم انا ونتالي يتحدث عن فتاة في مراهقتها اسمها (نتالي ميلر) .. فتاة قبيحة ترى امها انها في المستقبل ستكون جميلة بمجرد تخطيها لفترة المراهقة .. وهو امر لا يتفق معها فيه والدها الذي يحاول تزويجها من رجل مصاب بخلل في نظره هذا المرض الذي يججعل من هذا الرجل صيداً شهياً للاب من اجل التخلص من ابنته وتزويجها..
تكتشف الابنة خطة الاب فتقرر مغادرة البيت وتاجير شقة وتعيش حياة بوهيمية فتعمل في احد البارات وتقع في حب احد الراقصين المدمنين على المخدرات الذي تكتشف فيما بعد انه متزوج وتقرر الانتحار لكنها لا تنجح في محاولاتها.. الرجل سينجح في اقناعها في الايمان بانسانيتها لتعيش بقية حياتها بسعادة بدل العيش مع عقدة القبح التي تلاحقها والتي ليس لها يد فيها.
كان لدوره في فيلم (الهلع في حديقة نيدل) او (The Panic In Needle Park) وفيه يلعب دور (مدمن مخدرات) الفضل في جلب انظار المخرج العالمي (فرانسيس فورد كابولا) اليه عام 1971 ليقدم له دوره في فيلم (العراب)، فيلم (The Panic In Needle Park) كان ثاني فيلم لال باتشينو ويصور حياة مجموعات المدمنين على الهيروين اللذين يتجمعون في احدى الحدائق وهي (نيدل بارك) في مدينة نيويورك، ولم يستخدم اي موسيقى في الفيلم وهو ما يعد غريباً.
ال باتشينو (بوبي) المدمن في الفيلم يقع في حب هيلين (لعبت دورها كيتي واين) وهي فتاة بلا مأوى والتي تجد ما كانت تبحث عنه في حياتها بعلاقتها مع هذا الشاب وتقرر الانغماس معه في حياة التعاطي الذي قاد الاثنين الى سلسلة من الخيانات العاطفية وبفضل دورها في هذا الفيلم نالت كيتي جائزة افضل ممثلة من مهرجان كان السينمائي عام 1971 .. ال باتشينو كان عليه الانتظار لجوائزه ولكن ليس لفترة طويلة.
كان امام فرانسيس فورد كوبولا عدم اسماء لتقوم بدور (دون كاليروني) من بينها روبرت ردفورد، وارن بيتي و روبرت دي نيرو الذي كان بالكاد يعرف في الاوساط السينمائية في ذلك الوقت، ولكن دور ال باتشينو في فيلم (The Panic In Needle Park) فرضه بقوة على خيارات كوبولا رغم ان باتشينو لم يكن معروفاً ولهذا لم يوافق العديد من المدراء التنفيذين القائمين على انتاج الفيلم على هذا الاختيار وهو ما اثبت خطاءه حينما حقق دور ال باتشينو في العراب الفرصة ليترشح للحصول على الاوسكار.. كان دوره في الفيلم يشير وبوضوح الى مدى البراعة التي يحملها هذا الممثل الذي لم يسبق له تقديم افلام كثيرة .. كل ما كان في رصيده في ذلك الوقت فيلمان.. حدث ذلك عام 1972.
في عام 1973 قدم ال باتشينو فيلم (سكوربيو) والذي حقق نجاحاً كبيراً وهو فيلم يتحدث عن جريمة مبنية على قصة حقيقية حصلت لرجل شرطة يعمل في شرطة نيويورك يدعى (فرانك سكوربيو) الذي كشف فساد العديد من زملاءه العاملين في سلك الشرطة وهو امر عرض حياته للخطر.. لم تكن اجواء الفيلم بغريبة عن ال باتشينو فقد سبق له تقديم العراب والان واي بي دي بلو ايضا ويتضمنان ادوارً عن حياة العصابات والشرطة.
في عام 1974 كان ال باتشينو على موعد مع الجزء الثاني من العراب الذي عد افضل من جزءه الاول وفي العام التالي قدم فيلم (Dog Day Afternoon) المبني على قصة حقيقية تتحدث عن سارق بنك يدعى (جون ستانلي) والذي ولد عام 1945 وتوفي في الثاني من يناير 2006 في نيويورك وقد سرق بنكاً ليجري عملية لزوجته تساعدها على تحويل جنسها من انثى الى رجل .. وبسبب ذلك حاولت (او حاول) الزوجة الانتحار عدة مرات.. ستانلي كان يحاول انقاذ زوجته بالسرقة على طريقة روبن هود.في عام 1977 قدم ال باتشينو فيلم بوبي دير فيلد الذي فاز فيه بجائزة (غولدن غلوب) عن افضل ممثل في فيلم درامي وقام فيه بدور سائق سيارات السباق الذي يخسر واحداً من اهم السباقات في حياته. انهى (دون كاليريوني) كما اصبح يعرف بفضل دوره في فيلم العراب.. انهى عقد السبيعينات باربعة ترشيحات للاوسكار بفضل ادواره في افلام (سكوربيو) (العراب 2) و (دوغ دي افتر نون) و فيلم (العدالة للجميع)
مع بداية عقد الثمانينات بدأ اداء ال باتشينو بالتراجع .. كما اصبحت اختياراته وبالاً عليه قبل ان ياتي دوره في فيلم (الوجه ذو الندبة) او (Scarface) ليعد اليه القه حينما قام بدور توني مونتانا وهو لاجئ من كوبا يعمل في تهريب الكوكايين .. والفيلم كان مبنياً على قصة حياة ال كابوني التي صدرت عام 1932. في يوليو 1980 قرر توني مونتانا وهو رجل كوبي طلب اللجوء في الولايات المتحدة الامريكية وتحديداً في فلوريدا من اجل تحقيق الحلم الامريكي .. حيث غادر كوبا في مركب وخلال استجوابه في الولايات المتحدة .. تقوم السلطات هناك باحتجازه شكاً منها بمشاركته في انشطة اجرامية، لكن رغم ذلك ينجح الرجل في الحصول على (الغرين كارت)، ويبدأ نشاطه بمشاركة صديقه (ماني راي) بقتل احد ابرز مساعدي الرئيس الكوبي فيدل كاسترو .. هذه الجريمة تثير اعجاب فرانك لوبيز وهو تاجر سيارات ويتاجر ايضاً في المخدرات ومن هنا يدخلون الى عالم لوبيز الاجرامي. كان المسرح افضل صديق لا ال باتشينو .. حيث كان لا يستطيع مفارقته ابداً.. فمتى ما فشل في تقديم فيلم كما حصل مثلاً عام 1985 مع فيلم (الثورة) عاد الى المسرح وقدم العديد من المسرحيات التي قد يستمر بعضها لسنوات.
عاد فيلم العراب الى الواجهة من جديد عام 1990 في جزءه الثالث وعاد ابداع ال باتشينو وترشحه الى الاوسكار .. كان ذلك اخر مرة يقوم بها بدوره في سلسلة العراب حيث رفض عام 2000 تقديم دوره في لعبة الكترونية من هذا الفيلم (العراب: اللعبة) لان صوته كان قد تغير كثيراً عن صوته الاصلي في الافلام السابقة من هذه السلسلة كما رفض لنفس السبب القيام بدوره في لعبة الكترونية صدرت عن فيلم (الوجه ذو الندبة: العالم عالمك) والذي قدم له في نفس العام رغم انه سمح بتقديم الشخصيتين في اللعبة. عام 2008 سيشهد تقديم ال باتشينو لفيلم (88 دقيقة) كما من سيقدم فيلماً بمشاركة روبرت دنيرو بعنوان (Righteous Kill) او (القتل الرحيم) وفيه يقوم رجال الشرطة بملاحقة سلسلة من قضايا (القتل الرحيم) بميزانية تبلغ 60 مليون دولار.
صح ان الموضوع طويل بس تحملوو شوي